ما هي حقيقة من يستهزئ بالنبي الكريم، وماذا ينبغي أن نفعل تجاهه، وهل أنبأ القرآن عن مثل هذا الاستهزاء، وما هي النتيجة؟ دعونا نتأمل ....
حتى الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم جاء ليشهد على صدق رسالته!! هل تتصور عزيزي القارئ أن القرآن قد ذكر هذا الأمر قبل 1400 سنة؟ بل هناك قانون إلهي يقضي بأن أي نبي يبعثه الله لقومه، لابد أن يُستهزأ به!!!
تعالوا نتأمل هذه الآية الكريمة، قال تعالى: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الحجر: 11]. فهذه سنّة الله تعالى أن يرسل الرسل ليقيم الحجة على الناس، ولكن معظم الناس يستكبرون ويستهزئون ويكفرون!
وشيء طبيعي أن نجد أناساً لم يعلموا أخلاق هذا النبي الكريم ولم يعرفوا حقّ هذا الرسول الرحيم، ولذلك نجد أن الشيطان يحركهم فيستهزئوا بمختلف الطرق. وربما تكون تلك الرسوم المسيئة لمقام النبي الكريم دليل على إفلاس هؤلاء ويأسهم من النيل من أخلاقه الكريمة.. فلجأوا للاستهزاء، وهذه وسيلة اليائس.
الذي يهمنا كمسلمين أن نعرف بأن الذي يستهزئ بأنبياء الله هو كافر ليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان! ولا يصل الإنسان لمرحلة السخرية والاستهزاء العلني إلا بعد مراحل متقدمة من الكفر والفسوق والعصيان. ولذلك أمرنا الله تعالى أن نبتعد عن المستهزئين وألا نقعد معهم لأن مجرد الجلوس مع مستهزئ بالنبي، هو كفر!!
قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140]. لذلك نحذر إخوتنا ممن يناقشون الملحدين أن يضعوا أمام أعينهم هذه الآية الكريمة والتي تؤكد أن مجالسة من يستهزئ بالقرآن هو استهزاء بالقرآن!!
ومن هنا ننصح بعدم الدخول لمواقع الملحدين أو مشاهدة قنواتهم أو الاطلاع على أفكارهم.. فجميعهم يستهزئون بآيات الله بلا استثناء!!! وأمثال هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [يس: 30].
وأمثال هؤلاء المستهزئين قال الله في حقهم: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) [البقرة: 15-18]... فاحذروا يا إخوتي أشدّ الحذر أن تصيبكم هذه الآيات، فالقضية لا تتحمل التهاون.. ابتعد عن المستهزئ والملحد كما تبتعد عن النار!
إن جميع الذين كفروا بالأنبياء استهزءوا بهم، وأخذهم الله بعد ذلك، قال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأنعام: 10].
إن ما حدث ويحدث من استهزاء وإصرار هؤلاء على الاستمرار في السخرية من أنبياء الله عليهم السلام، لهو دليل على صدق القرآن. فلو كان القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً لاجتنب الحديث عن الاستهزاء به، فأي مؤلف يريد أن يضع كتاباً، يحاول قدر المستطاع أن يصور نفسه على أنه مثالي ولا أحد يستهزئ به!!
ولكن الذي أنزل القرآن هو الله الذي أرسل أنبياءه وهو أعلم بما حدث معهم وما سيحدث إلى يوم القيامة، ولذلك قال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) [الرعد: 32]... إذاً الاستهزاء ثم الإمهال ثم الأخذ ثم العقاب يوم القيامة!
إذاً وجود آيات تتحدث وتتنبأ باستهزاء بعض الحاقدين على الإسلام، من نبي الرحمة، وحدوث ذلك فعلاً لهو دليل مادي مرئي على أن القرآن كلام الله تبارك وتعالى.
ولكن كيف نواجه موجات السخرية من ديننا الحنيف؟
هل نواجهه بالعنف؟ هل نواجه السخرية بالقتل؟ بل هل نساعد من يستهزئ بالإسلام على تشويه صورة الإسلام؟ طبعاً الإنسان العاقل يستغل هذه الفرصة لإيصال رسالة الإسلام السمحة، وتعريف من يجهل الإسلام بعظمة ورحمة هذا الدين الرائع.
كيف واجه النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام استهزاء قريش به؟ لقد علّمهم وعاملهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ودعا لهم الله أن يهديهم بل ويعزّ الإسلام بهم!! والنتيجة كانت أن دخلوا أفواجاً في دين الله.
هذه رحمة الإسلام حتى بأعدائه، ونحن في عصر طغى فيه سلاح الإعلام على كل سلاح، فينبغي أن ندرك أن أي تصرف يساهم في تشويه صورة الإسلام إنما هو خدمة مجانية لأعداء الإسلام. ونقول لكل مسلم أحب هذا النبي الرحيم: إن أفضل عمل يمكن القيام به هو نشر تعاليم هذا النبي عليه الصلاة والسلام، وإيصال رسالته للبشرية.
فالنبي كان رحيماً يحب الرحمة والرأفة واللين والأناة... فإذا أردنا أن نُرضي هذا الرسول العظيم، ينبغي أن نقتدي بأسلوبه في التعامل مع من الملحدين والمستهزئين.. والله تعالى قد كفاه أمثال هؤلاء فقال: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 95-99].
فالتسبيح وعبادة الله تعالى هو أفضل عمل للرد على المستهزئين، وكذلك العمل على نشر علوم القرآن ومعجزات حبيبنا عليه الصلاة والسلام، نسأل الله تعالى أن يجعل هذا الاستهزاء سبباً في هداية الكثيرين لطريق الله، وقد أسلمت مخرجة فرنسية بعد أيام قليلة من حادثة (شارلي إيبدو) بعد أن اطلعت ورأت الحقيقة وأدركت رحمة وعظمة هذا النبي الرحيم!
وهذه بشرة خير أن نرى مثل هذه الحوادث تكون سبباً في تنبيه الغرب الغافل عن حقيقة الإسلام، ليعرف روعة هذا الدين، وربما يكون هذا الاستهزاء سبباً في اعتناق الكثيرين للإسلام.. نسأل الله تعالى أن ينشر دينه حتى يبلغ ما بلغ الليل والنهار كما أنبأ بذلك رسولنا عليه الصلاة والسلام... والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــ