خمس ما أثقلهن في الميزان
عن ثوبان رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه»
(رواه (البزار)
في مسنده عن ثوبان والنسائي وابن حبان والحاكم عن أبي سلمة وأحمد عن أبي أمامة (صحيح) انظر حديث رقم: 2817 في صحيح الجامع للسيوطي بتحقيق الألباني، وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضاً الطبراني من حديث سفينة قال المنذري: ورجاله رجال الصحيح).
لا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك صدئ، فإذا ذكر جلاه، وصدا القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.
فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكباً على قلبه، وصدأه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الران فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقاً، ولا ينكر باطلاً، وهذا أعظم عقوبات القلب (الوابل الصيب لابن القيم ص64).
أما هذه الأذكار التي وردت في هذا الحديث الجليل فلها منزلة خاصة وقدر عظيم عند الله تعالى؛ فهي الباقيات الصالحات التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم، قال عز وجل: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}
[الكهف:46].
قال القرطبي في تفسير الباقيات الصالحات: "قال الجمهور: هي الكلمات المأثور فضلها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" (الجامع لأحكام القرآن القرطبي، ج 5 تفسير سورة الكهف).
وقال صلى الله عليه وسلم: «استكثروا من الباقيات الصالحات» قيل: "وما هن يا رسول الله؟"، قال: «التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ولا حول ولا قوة إلا بالله»
(أورده الحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة عن أبي سعيد الخدري، رقم 223 وقال حديث حسن).
وقال صلى الله عليه وسلم: «خذوا جُنَّتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن مقدمات ومنجيات، وهن الباقيات الصالحات»
(أورده الحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة عن أبي هريرة، رقم 224 وحسنه أيضاً).
وعن الحارث مولى عثمان قال: كان عثمان رضي الله عنه جالسًا ونحن معه إذ جاءه المؤذن فدعا بماء فذكر الحديث في فضل الوضوء والصلوات الخمس، قال: "وهن الحسنات، يذهبن السيئات". قالوا: "يا عثمان هذه الحسنات، فما الباقيات الصالحات؟"، قال: "لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"
(المصدر السابق عن أبي هريرة رقم 226 وقال حديث حسن ورجاله رجال الصحيح).
وهذه الأذكار غراس الجنة، فقد روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقيت ليلة أسري إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله اكبر».
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله اكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس».
وعن طلحة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام لتكبيره وتحميده وتسبيحه وتهليله» (رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم 5371).
وروى مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله تعالى أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يضرك بأيهن بدأت».
وأخيرًا تزكية النبي صلى الله عليه وسلم لهن بقوله: «بخ بخ» وهي كلمة تقال للمدح والرضا وتكرر للمبالغة.
كما ثبت في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تدل على فضل الصابرين وعظيم أجرهم، وأن الله يوفيهم أجرهم بغير حساب، وهذا يشمل كل من صبر على أي مصيبة ابتلي بها، ولا شك أن فقد الولد من المصائب العظيمة على من وقعت عليه، فمن صبر عليها ورضي بقضاء الله وقدره، حصل له هذا الأجر العظيم بفضل الله وكرمه.
روى الترمذي (942)
عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلانِيُّ جالِسٌ علَى شَفِيرِ الْقَبرِ فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: "أَلا أُبَشِّرُكَ يَا أبا سِنَانٍ"، قُلْتُ: "بَلى"، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا ماتَ ولدُ الْعَبدِ، قال الله لِمَلائكَتِهِ: قَبَضْتُمْ ولدَ عَبْدِي، فَيقُولُونَ: نعمْ، فَيقُولُ: قَبَضْتُمْ ثمَرَةَ فُؤَادهِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟، فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ الله: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ».
بل وثبت أجر خاص لمن توفي له أكثر من طفل فصبر واحتسب؛ فعن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النسَاءَ قُلْنَ لِلنبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا"، فَوَعظَهُنَّ، وقَالَ: «أَيُّمَا امْرأَةٍ ماتَ لَها ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ»
(أخرجه البخاري (99) ومسلم:4786).
وفي رواية عند البخاري (1292)
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلا أَدْخَلَهُ الله الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ».