الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
لا يجوز رسم وتصوير ذوات الأرواح ، سواء كان ذلك نحتا أو على ورق أو قماش أو غيره ،
وسواء كان صورة حقيقية أو متخيلة ؛ لما روى مسلم (2107)
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ
وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ .
والدُّرْنوك : نوع من الستائر .
فدل الحديث على المنع من تصوير ذوات الأرواح ،
ولو كان ذلك بصور خيالية غير موجودة في الواقع ، لأنه لا يوجد في الواقع خيل لها أجنحة .
قال في "الإنصاف" (6/248) : "ومن أتلف مزمارا , أو طنبورا , أو صليبا ,
أو كسر إناء فضة , أو ذهب , أو إناء خمر : لم يضمنه.
وكذا : العود , والطبل , والنرد , وآلة السحر , والتنجيم , وصور خيال ,
والأوثان والأصنام , وكتب المبتدعة المضلة , وكتب الكفر ونحو ذلك .
وهذا المذهب في ذلك كله " انتهى بتصرف.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) :
" مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح ،
سواء كان نحتا أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق ، أم كان نسيجا ،
وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز ، وسواء كان الشيء على طبيعته
أم دخله الخيال فصُغِّر أو كُبِّر أو جُمِّل أو شُوِّه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي.
فمناط التحريم كون ما صور من ذوات الأرواح ولو كالصور الخيالية
التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها ،
وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس.. إلخ، وذلك لعموم النصوص ،
ولما فيها من المضاهاة ، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى .
وقال الأستاذ محمد بن أحمد علي واصل في
"أحكام التصوير في الفقه الإسلامي" (ص363) :
"وحكم صناعة ما يسمى أفلام الكرتون كحكم صناعة الصور المنقوشة باليد ،
متى كانت لذوات الأرواح ، سواء كانت منقوشة باليد كما هو معروف الآن ،
أو كانت صناعة بالآلات الحديثة ".
واستدل لذلك بعموم الأحاديث الواردة بتحريم صور ذوات الأرواح ،
وبأنه لا توجد ضرورة تبيح هذا المحظور ،
إلى أن قال : " فإن قيل : إن هذه الصورة من قسم المباح لكونها مشوهة الخلقة ،
أو لكونها لا نظير لها في الواقع ، والتشويه فيه إهانة للصورة ،
وخصوصا إذا كانت مما لا نظير له .
فالجواب : أن تشويه الصورة لا يكون فيه إهانة لها ،
وإهانتها لا تكون إلا بوطئها المُشْعِر بعدم تكريمها ومحبتها .
وأما كونها لا نظير لها ، فقد تقدم أن هذه علة لا أثر لها في الحكم ،
فمتى كانت الصورة تحمل ملامح ذوات الروح كانت محرمة ،
سواء كان لها نظير أو لا " انتهى .
والله أعلم .