140 - (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) أي إلى السفينة المملوءة بالمسافرين . والآبق هو العبد الذي لم يمتثل كلام سيده ويهرب منه . وإنما وصفه الله تعالى بالآبق لأنّ الله تعالى أوحى إليه أن يذهب الى أهل نينوى وينذرهم بالعذاب ليتركوا عبادة الأصنام ويُصلحوا أعمالهم ولهم مهلة أربعين يوماً فإنْ لم يتوبوا ينزل عليهم العذاب ويهلكهم . فخاف يونس أن يذهب إلى نينوى فيقتلوه فهرب إلى يافا وجاء إلى البحر فوجد سفينة عازمة على السفر إلى ترشيش فركب معهم ، فلّما توسّطت البحر هاجت عواصف وأمواج وكادت السفينة تغرق ، فقال من في السفينة هلمّوا نلقِ قرعاً لنعلم بسبب من أصابنا هذا الشرّ ، فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس ، فألقوه في البحر فجاءتْ حوتٌ كبيرة فابتلعته وسكنت الرياح والعواصف ، فأخذ يونس يُصلي في بطنها ويدعو الله أن ينجيه من هذه الشدّة ، وقال إنْ أنجيتَني منها أذهبْ إلى أهل نينوى كما أمرتني ولا أمتنع ، فأوحى الله إلى الحوت أن تقذفه على الشاطيء ، فقذفته ثم قام وذهب إلى نينوى وأنذرهم بالعذاب كما أمره الله ، فكذّبوه وسخروا منه ، فخرج من بينهم إلى شرقي المدينة وجلس فوق تلّ ينتظر ماذا يصيبهم من عذاب . فأرسل الله عليهم أحد المذنبات ليحرقهم ، فلما طرق المذنب سماءهم ورأوه من بعيد تابوا وتضرّعوا إلى الله وكسّروا أصنامهم وأصلحوا أعمالهم فذهب المذنّب إلى مكان آخر وابتعد عنهم وسقط في صحراء غير مسكونة . أمّا يونس فقد اتّخذ له كوخاً صغيراً ليظلّه من الشمس . ولما علم أنّ أهل نينوى لم ينزل عليهم العذاب في الوقت المعيّن له ساءه ذلك حيث وعدهم وأخلف وعيده ، فأنبت الله تعالى إلى جانب كوخه شجرة يقطين "قرع" ونمت بسرعة وتسلقت على كوخه ، فلما رآها فرح بها وسُرَّ بخضرتها ، وفي اليوم الثاني أرسل الله دودة فضربت الشجرة من أسفلها فجفت وذبلت ، فلما رآها حزن عليها ، فقال الله تعالى لقد أشفقت على شجرة لم تتعب عليها ، ألا أشفق على مائة ألف نسمة من البشر ؟ إذهب إليهم فإنهم آمنوا وهم منتظرون مجيئك .
وهذا معنى قوله تعالى (فَسَاهَمَ) أي فكان له سهم في القرعة (فَكَانَ) يونس (مِنْ الْمُدْحَضِينَ) أي من المغلوبين في تلك القرعة ، فرمَوه في البحر .142 - (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) أي وهو مستحقّ لِلّوم . ومن ذلك قول لبيد :
سَفَهاً عذلتِ ولمتِ غير مُليمِ ..... وهداكِ قبلَ اليومِ غيرُ حكيمِ
وذلك لأنه لم يمتثل أمر الله في أوّل مرّة بل امتنع خوفاً من أهل نينوى .143 - (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ) في الماضي ومن المصلّين في بطن الحوت .
144 - (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) يعني إلى يوم تُبعَث نفوسهم من أجسامهم بالموت . والمعنى : لولا أنه كان من المسبِّحين لمات في بطن الحوت وبقي أربعين يوماً حتى ينزل العذاب على أهل نينوى فيموتوا أيضاً وتُبعث نفوسهم من أجسامهم إلى عالم البرزخ . وهي المدّة التي أمهلهم بها ليتوبوا .
145 - (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء) أي فأوحينا إلى الحوت ان تقذفه على الساحل (وَهُوَ سَقِيمٌ) أي مريض مما أصابه في بطن الحوت .
146 - (وَأَنبَتْنَا) للظلّ (عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ) وهو القَرع ، فتسلّقت الشجرة على الكوخ .
147 - (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ) إن لم تعدّوا الأجنة معهم (أَوْ) تعدّوهم فهم (يَزِيدُونَ) على ذلك العدد.