وله : ( باب : من لم يدع ) أي : يترك ( قول الزور والعمل به ) زاد في نسخة الصغاني : " في الصوم " . قال الزين بن المنير : حذف الجواب ؛ لأنه لو نص على ما في الخبر لطالت الترجمة ، أو لو عبر عنه بحكم معين لوقع في عهدته فكان الإيجاز ما صنع .
قوله : ( حدثنا سعد المقبري عن أبيه ) كذا في أكثر الروايات عن ابن أبي ذئب ، وقد رواه ابن وهب عن ابن أبي ذئب فاختلف عليه : رواه الربيع عنه مثل الجماعة ، ورواه ابن السراج عنه فلم يقل : " عن أبيه " أخرجها النسائي ، وأخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب بإسقاطه أيضا ، واختلف فيه على ابن المبارك فأخرجه ابن حبان من طريقه بالإسقاط ، وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة بإثباته ، وذكر الدارقطني أن يزيد بن هارون ويونس بن يحيى روياه عن ابن أبي ذئب بالإسقاط أيضا ، وقد أخرجه أحمد عن يزيد فقال فيه : " عن أبيه " ، والذي يظهر أن ابن أبي ذئب كان تارة لا يقول عن أبيه وفي أكثر الأحوال يقولها ، وقد رواه أبو قتادة الحراني عن ابن أبي ذئب بإسناد آخر فقال : " عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن أبي هريرة " وهو شاذ والمحفوظ الأول .
قوله : ( قول الزور والعمل به ) زاد المصنف في الأدب عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب " والجهل " وكذا لأحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب ، وفي رواية ابن وهب " والجهل في الصوم " ولابن ماجه من طريق ابن المبارك : من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به جعل الضمير في " به " يعود على الجهل ، والأول جعله يعود على قول الزور ، والمعنى متقارب ، ولما روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا قال : وفي الباب عن أنس . قلت : وحديث أنس أخرجه الطبراني في " الأوسط " بلفظ : من لم يدع الخنا والكذب ورجاله ثقات ، والمراد بقول الزور : الكذب ، والجهل : السفه ، والعمل به أي : بمقتضاه ، كما تقدم .
قوله : ( فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) قال ابن بطال : ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه ، وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه ، وهو مثل قوله : " من باع الخمر فليشقص الخنازير " أي : يذبحها ، ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر . وأما قوله : فليس لله حاجة فلا مفهوم له ، فإن الله لا يحتاج إلى شيء ، وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة ، وقد سبق أبو عمر بن عبد البر إلى شيء من ذلك .
قال ابن المنير في " الحاشية " : بل هو كناية عن عدم القبول ، كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به : لا حاجة لي بكذا . فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول السالم منه ، وقريب من هذا قوله تعالى : لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم فإن معناه : لن يصيب رضاه الذي ينشأ عنه القبول . وقال ابن العربي : مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه ، ومعناه : أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه . وقال البيضاوي : ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش ، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة ، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول ، فقوله : ليس لله حاجة مجاز عن عدم القبول ، فنفى السبب وأراد المسبب ، والله أعلم .
واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم ، وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر . وأجاب السبكي الكبير [ ص: 141 ] بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول ؛ لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقا ، والصوم مأمور به مطلقا ، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه ، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين : أحدهما : زيادة قبحها في الصوم على غيرها ، والثاني : البحث على سلامة الصوم عنها ، وأن سلامته منها صفة كمال فيه ، وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم ، فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها . قال : فإذا لم يسلم عنها نقص . ثم قال : ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة ، وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات ؛ لأنه يشترط له النية بالإجماع ، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات ، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات ، ونبه الغافل بذلك على الإمساك عن المخالفات ، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده ، فيكون اجتناب المفطرات واجبا ، واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات ، والله أعلم .
وقال شيخنا في شرح الترمذي : لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم ، وهو مشكل ؛ لأن الغيبة ليست قول الزور ، ولا العمل به ؛ لأنها أن يذكر غيره بما يكره ، وقول الزور هو الكذب ، وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة ، وذكروا هذا الحديث ، وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق ، ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل ، فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي . وأما قوله : " والعمل به " فيعود على الزور ، ويحتمل أن يعود أيضا على الجهل أي : والعمل بكل منهما .
( تنبيه ) : قوله : " فليس لله " وقع عند البيهقي في " الشعب " من طريق يزيد بن هارون ، عن ابن أبي ذئب " فليس به " بموحدة وهاء ضمير ، فإن لم يكن تحريفا فالضمير للصائم .